معرفة

السلام على أصحاب الحسين: عن الصحابة في كربلاء

كربلاء.. دماء سالت على الثرى؛ فتحولت إلى ذاكرة لا تمحى على أرض كربلاء، سطَّر الحسين وأصحابه ملحمة تبكي لها السماء قبل الأرض.

future صورة تعبيرية (لوحة توضح موقع معسكر الإمام الحسين وجيش عمر بن سعد في معركة كربلاء)

«هاهنا مناخ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم، هاهنا مهراق دمائهم، فِتية من آل محمد يُقتلون بهذه العرصة، تبكي عليهم السماء والأرض».

― الإمام علي عند مروره بكربلاء

لا نستطيع إغفال ما لموقعة كربلاء من مكانة وزخم عاطفي في الوجدان الإسلامي، أو حتى كحدث تاريخي محوري. ولعل استشهاد الإمام الحسين هو الاغتيال الثالث ـ بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب، ومن قبله ذو النورين عثمان بن عفان ـ في الإسلام، الذي اختلف ما قبله عمّا بعده، وكأننا أمام مراحل تاريخية سُطّرت أحداثها بالدماء، فكان من الطبيعي أن تكون البدايات دموية إلى الحد الذي لا ينساه التاريخ.

الحسين بن علي، حفيد النبي ﷺ، وابن علي وفاطمة الزهراء، لا يحتاج إلى تعريف من الأساس، فلا يوجد مسلم لم يسمع به. لكن لا بأس من محاولة رسم صورة تاريخية له، فأنت أمام شخص يدرك مكانته جيدًا، كان من المدافعين عن سيدنا عثمان بن عفان أثناء الحصار، وكان بجوار أبيه طوال أحداث الفتنة، وظل وفيًّا ومطيعًا لأخيه «الحسن» كذلك، وإن لم يتفق مع سياساته.

ومن هذه النقطة تحديدًا تبدأ كربلاء؛ فهي لم تكن يوم استشهاد الحسين أو فترة المفاوضات قبله، وإنما تعود جذورها لسنوات وأحداث جعلت من المحتم الوصول إليها.

في الكوفة سنة ٤٠هـ، وفي السابع عشر من رمضان ـ وفقًا لبعض الروايات ـ يُستشهد الإمام علي غدرًا بسيف عبد الرحمن بن ملجم المرادي، ليُبايع المسلمون ابنه الحسن بالخلافة، التي لم يمكث فيها سوى عدة أشهر حتى تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان عام ٤١هـ، فيما يُعرف بعام الجماعة.

لم يكن هذا الأمر سهلًا على الحسين بن علي، كما ذكر المؤرخون أمثال البلاذري وغيره، إلا أنه لم يجد بُدًّا من طاعة أخيه الإمام الحسن. وحتى بعد وفاة الحسن، ظل الحسين على عهده، فلم ينقضِ البيعة طوال حياة معاوية، إلا أن موت الأخير سنة ٦٠هـ، وتوريثه الحكم لابنه يزيد، وموقف الحسين من رفض بيعته، قد حرّك الآمال في نفوس الشيعة في الكوفة، فكتبوا إلى الحسين يطلبون منه الخروج.

«تعوّذوا بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان».

― أبو هريرة

بموت معاوية بن أبي سفيان، بدأ فصل آخر من الصراع بين أميّة وهاشم، كان طرفاه تلك المرة يزيد والحسين. فالأخير يرفض البيعة ليزيد، على اعتبار أنه نال الخلافة بالجبر والوراثة، بينما الأصل فيها الشورى، بالإضافة إلى أنه غير مؤهل للخلافة.

كل هذا كان يدور في رأس الحسين عندما أجاب أهل الكوفة إلى ما طلبوه، وقرّر الخروج لخلع يزيد، فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة للوقوف على طبيعة الأجواء هناك. وبالفعل، يصل مسلم إلى هناك، وتبدو الظروف مواتية لمقدم الحسين، وهو ما شجّع مسلمًا أن يكتب له بالقدوم، فتصل الرسالة إلى الحسين الذي يخرج بأهله وبعض من أنصاره.

وبينما الحسين في الطريق، تنقلب الأحوال في الكوفة، فيكتشف الوالي الأموي عبيد الله بن زياد وجود مسلم، وينفضّ عنه أنصاره خوفًا من بطش الوالي، لينجح ابن زياد في القبض على مسلم وقتله. والحسين لا يعلم، وإنما علم فيما بعد نتيجة لبطء الأخبار، ولحظتها لم يكن أمامه سوى التقدّم صوب العراق، فلم يعد التراجع خيارًا ممكنًا.

يصل الحسين إلى كربلاء، فيجد قوة من جيش عبيد الله بن زياد بقيادة الحر الرياحي تنتظره لمنعه من دخول الكوفة، وسرعان ما يصل باقي الجيش: عمر بن سعد بن أبي وقاص والشمر بن ذي الجوشن.

عند ذلك، يبدأ التفاوض مع الحسين على أن يسلِّم نفسه ومن معه للوالي عبيد الله بن زياد، وهذا ما يرفضه الحسين، فهو يدرك أن الاستسلام إذلال له، ولم يكن بالشخص الذي يقبل الضيم والإهانة، ليصل الأمر إلى طريق مسدود، ومن ثم يصبح القتال هو الحل الأخير.

«وصلت يبن ظاهر منيتي
آني ما وصّيتك بعيالي أو بيتي
أو لا تحفظ أولادي أو ثنيتي
إن جان نيتك مثل نيتي
أريدنّك اتجاهد سويّ
بالحسين واعياله وصيتي».

― أبيات بالعامية العراقية

تشير التقديرات إلى أن عدد من كان مع الحسين لم يصل إلى الثمانين، فيهم أصحابه وأهل بيته، أمام جيش الكوفة، الذين تشير أقل التقديرات إلى أنهم كانوا ألفين. لكن بين هؤلاء، أريد أن أتوقف أمام بضعة رجال، منهم من كان من صحابة النبي ﷺ، ذكرت كتب التراجم السنية والشيعية أنهم ممن استُشهدوا مع الحسين في كربلاء، ومنهم:

1 ـ حبيب بن مظاهر:

ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة»، وانفرد من بين كتب التراجم بتسميته «حُتيت»، ولعل ذلك من أخطاء النُسّاخ. والمخيال الشيعي يجعل من التحاق حبيب برجال الإمام الحسين ملحمة درامية كاملة، ويصوّرها كأنها مغامرة، مما دفع بأحد محققي الشيعة لاعتبارها قصصًا شعبية. لكن حبيبًا كشخصية تاريخية هو صحابي من بني أسد، ومن أنصار آل البيت، كان على ميمنة رجال الحسين يوم كربلاء، وأبدى بسالة وبطولة في الدفاع عن الحسين حتى استُشهد بين يديه.

2 ـ مسلم عوسجة الأسدي:

هو ابن عم حبيب، تعدّه المصادر الشيعية من ضمن الصحابة، بينما تتحدث المصادر السنية عن مسلم أبو عوسجة، وغالب الظن أنهم شخصية واحدة. وتبرز كتب المقاتل ـ نوع من المصنفات الشيعية أُلِّف للحديث عن استشهاد الحسين ـ الدور البطولي لمسلم، حتى أنها تنسب له أبياتًا عامية أوصى فيها ابن عمه حبيب بالإمام الحسين.

3 ـ عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري:

صحابي، من ضمن رواة وشهود حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» المعروف بحديث غدير خُم، وشهد أمام الناس بسماعه هذا الحديث من النبي ﷺ. وطبقًا للمصادر التاريخية، فقد كان عبد الرحمن من أخلص أصحاب الإمام علي، وشهد معه حروبه الثلاث: «الجمل» و«صفين» و«النهروان»، وقد لازم الحسين منذ خروجه من مكة، وتختلف المصادر حول طريقة استشهاده، أكانت مبارزة أم في هجوم لجيش ابن زياد، لكن الثابت استشهاده في كربلاء، والصحبة، ورواية حديث الغدير.

4 ـ أنس بن الحرث الكاهلي:

تختلف المصادر في ضبط اسم أبيه، لكن الغالب أنه «الحرث»، وتعدّه المصادر الشيعية ضمن شهود غزوة بدر، وتتفق المصادر على أنه كان شيخًا كبيرًا عند استشهاده في كربلاء، قد تجاوز الثمانين، وكان من أواخر أصحاب الإمام الحسين الذين استُشهدوا بعد أن قتل ثمانية عشر شخصًا من جيش الكوفة.

5 ـ مجمع بن عبد الله العائذي:

ذكره الحافظ ابن حجر ضمن الصحابة، وممن استُشهد في كربلاء، وبعض الروايات تفيد أن مجمعًا وأباه قد خرجا مع الحسين. ويقع الخلط بينه وبين شخص آخر هو مجمع بن زياد كان من ضمن شهداء كربلاء كذلك. ووفقًا لكتاب«الإصابة»، فقد روى حديث: «إن ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض يُقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره».

6 ـ عمار الدُّلائي:

له ترجمة في «الإصابة»، وعدّه ابن حجر في شهداء كربلاء، وكان من أنصار الإمام علي في حروبه إبان الفتنة، وقُتل في الموجة الأولى من الهجوم التي استُشهد فيها معظم أصحاب الإمام الحسين.

وثمة أسماء أخرى مثل مجمع بن زياد الذي انفردت المصادر الشيعية بذكره، وعمرو بن عريب الذي انفرد بترجمته ابن حجر العسقلاني، ويقع الخلاف في أسماء أخرى يُعدّون ضمن الصحابة، إلا أن الخلاف يقع في وقت استشهادهم، أفي كربلاء أم قبلها، وهم: عبد الله بن بُقطر، ويحيى بن هانئ بن عروة.

لكن يلفت النظر في تراجم رجال الحسين أمران: الحضور الواسع للأنصار من الأوس والخزرج، ويدفع ذلك للتأمل في بعض الروايات التي تفيد بميل الأنصار لأحقية علي في الخلافة، ثم بنيه من بعده. وأمر آخر، كون هؤلاء كانوا من أنصار الإمام علي، مما يقطع بوجود تيار تشيُّع سياسي قديم.

وعلى كل حال، فما زالت كربلاء جرحًا لم يندمل في العقلية الإسلامية، ولن تعجز عن إيجاد نوع من الترابط بين ما حدث في كربلاء، وبين ما يحدث في غزة.

# تاريخ # كربلاء # الحسين بن علي

كيف رأى المسلمون أنفسهم؟ عن كتب التراجم والطبقات
ظلال أمريكية على ثورة يوليو
نجيب محفوظ بين ثورة 1919 وثورة يوليو

معرفة